مللت هذا المكان ، جملة كثيرا ما تتردد على مسامعنا وقد تصدر منا نحن لمبررات كثيرة تحددها أهداف الانتماء لهذا المكان. قد نضطر لمغادرتها بلا رجعة لانقضاء الهدف أو زواله، وقد نعود لها بعد حين لتحقيق هدف آخر يزول معه الملل ، ورقة خيار نملكها في اتخاذ القرار ، بينما لا خيار لنا في الابتعاد عن أماكن بعينها لا نملك إلا البقاء فيها والتردد عليها باستمرار حتى لو سئمناها، وهي التي تربطنا بها علاقه أساسية لبقائنا في الحياة كالمنزل والعمل واتصالنا بالرب كأماكن العبادة . تهيئة النفس لبقائنا فيها وحده من يطرد عنا الملل . وبعيدا عن الأماكن الميدانية هناك مواقع تشبه الأمكنة ، تواجدنا فيها فكري وروحي ، نلتقي فيها أناسا ونشاركهم الفكرة والمعلومة والخبر، نطلعهم على قدراتنا الفكرية وما نملك من مواهب حسية ونطلع على ما يملكون . بقاؤنا فيها تحدده أهدافنا، ومعيار الملل تحكمه نوايانا وهي المحرك الأساسي لكل ما نقوم به من عمل، هي تلك المواقع التي تجمعنا بلا جسد، المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، نتردد عليها كثيرا إلى أن باتت تحتل جزءا من جدول نشاطنا اليومي، لا نقوى على هجرانها لما نملكه فيها من أناس هم مرآتنا التي تعكس حجم تواجدنا والمعيار الحقيقي لجودة ما نقدمه فيها .. والحكم، تواجدنا فيها يختلف من شخص لآخر. فمن كان هدفه منها الحضور الإيجابي فلن يسأمها أبدا. فهناك الفائده والاستفادة والمعلومة المتجددة وثقافة بلا حدود. وكي لا نسأمها ونضطر لمغادرتها وقطع المواصيل بمن فيها ، يجب أن تكون نظرتنا لها بأنها مساحة حرة أهديت لنا لننثر بها ما يعكس شخصنا ويكفل بقاءنا فيها وتواصلنا بمن فيها على الاحترام المتبادل وحفظ الحقوق الخاصة لكل من يرتادها دونما المساس بحرية النشاط والعلاقة الشخصية بحرية الاختيار . والمردود حتما سيوازي ما تنثره يدك على صفحاتها، كالأرض البور والمزارع ، يحصد ما تغرس يداه، ولن يسأم او يشعر بالملل من تلك الأماكن إلا من جعل منها وسيلة لهدف تغذية نواياه التي لا تتماشى مع نظامها الاجتماعي او سوق يبتاع فيه ويشتري ونظر إلى كل من يرتادها كبضاعة تسعرها شهواته الدنيوية. الذين يسأمونها هم وحدهم الذين تتملكهم الأنانية ونرجسية الفكر الضيق الذي لا يتسع إلا لما يرضي غرورهم ويسقي جذورهم الصماء وحده الماء المتسرب من بحيره القلب السوداء. هؤلاء وحدهم من سيضطر للمغادرة وهجرة تلك الأماكن متى ما كانت نظرتهم لها كعالم افتراضي يجيز لهم العبث الفكري والسقوط الأخلاقي وتحويلها إلى سوق سوداء يبتاع فيها ويشتري تحت جنح الظلام . حتما سيشعرون بالملل متى ما اصطدمت مساعيهم بجدار الواقع الاجتماعي وسيرحلون. المواقع الإلكترونية ليست عالما افتراضيا كما يزعم البعض، هي وسيلة حديثة فرضتها علينا حضارة العصر وبدائل اتصال بالواقع الاجتماعي. يجب أن نتعامل معها بواقعية تظهر المعدن الحقيقي لشخصنا، ففيها نلتقي ومنها نكون الصداقات بمن سنلتقي بهم في مكان ما في زمن ما، حينها فقط ستشعر بجدية هذا العالم وواقعية نظامه الاجتماعي. عثمان جابر (جازان)
الرئيسية 
